الملخص
المعلم هو من أهم الركائز التي يرتكز عليها كل نظام تعليمي متميز. فكان لزاماً الاهتمام بالمعلم وبرامج اعداد المعلمين للوصول للتميز. ولكن من الملاحظ بأن سياسات التطوير والتغيير في النظام التعليمي في الكويت خلال العقدين السابقين أغفلت جانباً مهماً في المنظومة التعليمية ألا وهو المعلم، وبالأخص برامج اعداد المعلم قبل الخدمة. أكدت الدراسة التشخيصية لواقع التعليم في دولة الكويت التي قام بها المعهد الوطني للتعليم في سنغافورة بالتعاون مع المجلس الوطني لتطوير التعليم في الكويت (NIE, 2013)، أن هناك العديد من المؤشرات السلبية لجودة المعلمين وبرامج اعداد المعلم في الكويت الأولية منها وكذلك برامج أثناء الخدمة. اتبعت في هذه الدراسة المنهج الوصفي، مستخدمة أسلوب تحليل محتوى ما جاء به التقرير السنغافوري من مؤشرات ومقارنتها بواقع برنامج اعداد المعلمين في كلية التربية الأساسية في الكويت، مستعينة بأمثلة من أكثر الأنظمة التعليمية تميزاً في الأداء والمشهود لها على مستوى العالم للمقارنة مثل فنلندا وسنغافورة. Abstract Teachers are among the most significant pillars on which each educational system is based. Thus, if excellence is to be attained, a great attention is required to teachers and their preparation programs. Apparently in Kuwait, for the past two decades or so, educational policy reforms overlooked an important aspect of its educational system namely the teacher, and specifically teachers’ pre-service preparation programs. The Diagnostic Study of education in Kuwait (NIE, 2013), conducted by the National Institute of Education in Singapore (NIE) in cooperation with the National Centre for Education Development in Kuwait (NCED), reveals many negative indicators of teacher quality and teacher preparation programs in Kuwait as well as in-service programs. In this study, I followed a qualitative approach analysing the content of NIE’s report and compare its indicators to the actual challenges facing the teacher education program at the Collage of Basic Education (CBE) in Kuwait; using examples from the world’s best performers in education for comparison, such as Finland and Singapore. أغلب البلدان ذات الأنظمة التعليمية المتميزة والمشهود لها على مستوى العالم لديها عنصر واحد مشترك يتمثل في جودة معلّميها. فالمعلم هو من أهم الركائز التي يرتكز عليها كل نظام تعليمي متميز (OECD, 2011). بل إن المعلمين المتميزين هم الوسيلة الوحيدة للوصول إلى التميز ولا توجد وسيلة أخرى له. فكان لا بد من بعض الدول والحكومات المتطلعة للتطوير وإعادة الهيكلة مثل دولة الكويت بذل الجهود وتكثيفها في مجال اعداد المعلمين والبحث عن الخلل ونقاط الضعف في برامج اعداد المعلم لديها أولاً ومحاولة إصلاحها وإعادة تخطيطها بما يتناسب مع تحقيق المستوى المرجو منها بإعداد مخرجات متميزة كفيلة للإصلاح التي تصبوا اليه، ومن ثم الالتفات إلى بقية العناصر المكونة والمكملة للنظام التعليمي فيها. ليس للتقليل من أهميتها فجميعها تعد ركائز يرتكز عليها النظام التعليمي ككل، ولكن المعلم هو المحور وحلقة الوصل التي تجمع بين جميع الركائز الأخرى. ولعل من أقرب الأمثلة جغرافياً، ما يحدث من تعاون بين الإمارات العربية المتحدة - إمارة أبو ظبي بالتحديد، والمعهد الوطني للتعليم في سنغافورة المتمثل في انشاء كلية الإمارات للتطوير التربوي والتي من أهم أهدافها إنتاج جيل جديد من المعلمين ورفع مكانة مهنة التدريس بجعلها وجهة الطلبة المتميزين والأكاديميين ذوي الكفاءة والخبرة (ECAE, 2017). إن تدريب المعلمين هو بمثابة القلب بالنسبة لنظام تعليمي مخطط جيدا وابتكاري في القرن الواحد والعشرين. وهذا يعني برنامج رسمي لإعداد المعلمين وتأهيلهم وتزويدهم بما يلزم من المعارف والمهارات التربوية ومهارات التقييم، وتطوير الاتجاه الايجابي لديهم نحو التدريس (NIE, 2013). عرَّف المعهد الوطني للتعليم في سنغافورة إعداد المعلمين بأنه "يشير الى برنامج رسمي من سياسات وإجراءات تهدف الى تزويد المعلمين بالقيم والمعارف، والمهارات التي يحتاجون إليها لأداء مهامهم على نحو فعال في الفصول الدراسية والمدرسة وفي المجتمع على نطاق أوسع" (NIE, 2013:93). فإذا جاد تدريب المعلّم وعلت مكانته تيسّرت أمور بقية ركائز المنظومة التعليمية. إن برامج تدريب المعلمين هي استجابة وذات صلة بالمشهد التعليمي يجب أن تتغير بتغيره، وتتماشى مع النتائج المرجوة من التعليم. ولكن من الملاحظ بأن سياسات التطوير والتغيير في النظام التعليمي في الكويت خلال العقدين السابقين أغفلت جانباً مهماً في المنظومة التعليمية ألا وهو المعلم، وبالأخص برامج اعداد المعلم الأولية. حيث ركزت أغلب سياسات التطوير على المناهج الدراسية وفلسفة وميكانيكية العمل في المدارس من مثل "الملف الإنجازي" ومؤخرا "نظام الكفايات"، بينما في المقابل ظلت كلية التربية الأساسية تقدم إلى نحو ما البرنامج ذاته الذي تقدمه منذ أكثر من عقد من الزمان. بل إنه من الممكن ايعاز تعثر أي تغيير في النظام التعليمي قد طُبق في الماضي إما إلى قلة معرفة المعلم أو ضعف اعداده أولياً وكذلك أثناء الخدمة من قبل المسؤولين عن التغيير. وكما جاء في تقرير المعهد الوطني للتعليم في سنغافورة: "ان وجود فجوة في مستوى المعرفة لدى كل من له دور داخل النظام التعليمي، وتحديدا المعلمين الذين يسند إليهم مهمة تعليم الطلاب، يعني توليد فجوات في القدرات (المهارات) ومستوى الأداء. .... وفي حالة المعلمين، تؤدي الفجوة في المعرفة الى انعدام الثقة في التدريس، وعدم وجود مهارات تربوية وبالتالي الي نقص عام في القدرة على تعليم فعال." (NIE, 2013:37). أكدت الدراسة التشخيصية لواقع التعليم في دولة الكويت التي قام بها المعهد الوطني للتعليم في سنغافورة بالتعاون مع المجلس الوطني لتطوير التعليم في الكويت (NIE, 2013)، أن هناك العديد من المؤشرات السلبية لجودة المعلمين وبرامج اعداد المعلم في الكويت قبل الخدمة منها وكذلك برامج أثناء الخدمة. وبحكم عملي وخبرتي المتواضعة في هذا المجال في احدى كليات اعداد المعلم في دولة الكويت – كلية التربية الأساسية- ارتأيت بأنه من الضروري إعادة عرض هذه النتائج ومقارنتها بواقع المشكلات التي نعاني منها في كليتنا اليوم، وماهي في نظري إلاّ مسببات رئيسية لتدني جودة وكفاءة العديد من المعلمين في ميدان العمل. بالإضافة إلى عوامل ومتغيرات أخرى بلا شك تؤثر بشكل مباشر أو غير مباشر على أداء المعلم التي من الصعب حصرها في هذه الدراسة. سأسلِّط الضوء في دراستي هذه على تحديد أهم العوامل المؤثرة على كفاءة وجودة المعلم في برامج اعداد المعلمين قبل الخدمة في الكويت – وبالأخص كلية التربية الأساسية - مستندةً على أهم المؤشرات التي وردت في تقرير المعهد الوطني للتعليم – سنغافورة، المشار إليه مسبقاً والتي تخص برامج اعداد وتدريب المعلمين قبل الخدمة. ومقارنتها بواقع التحديات التي تواجه برامج اعداد المعلمين اليوم. ومقارنة ذلك ببرامج اعداد المعلم ومكانته في أكثر النظم التعليمية تميزاً في العالم من مثل فنلندا وسنغافورة، مستعينة بتقارير منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية الأوربية (The Organization for Economic Cooperation and Development - OECD). اعتمدت في هذه الدراسة بشكل رئيس على تحليل المؤشرات التي توصلت إليها الدراسة التشخيصية للوقوف على واقع التعليم في دولة الكويت والواردة في التقرير المفصّل لها (NIE, 2013)، ومقارنتها مع أهم التحديات التي تواجه برامج اعداد المعلم قبل الخدمة وبالأخص في كلية التربية الأساسية اليوم. شملت دراسة المعهد الوطني للتعليم – سنغافورة، على عدد من الركائز التي تمت دراستها على شكل متغيرات، وهي كالآتي: • • ركيزة القيادة المدرسية. • ركيزة أصحاب المصلحة. • ركيزة الطلاب. • ركائز أخرى: الإدارة المالية للمدارس. • ركيزة المناهج الدراسية. • ركيزة التكنولوجيا. • ركيزة الموارد البشرية. • ركيزة تدريب المعلمين. اتبعت في هذه الدراسة المنهج الوصفي مستخدمة أسلوب تحليل المحتوى، حيث تم التركيز على ركيزتين أساسيتين جاءت في التقرير والتي تمس المعلم بصورة مباشرة، وهي: ركيزة تدريب المعلمين، وركيزة الموارد البشرية. ومقارنة ما جاء به من مؤشرات بواقع التحديات التي تواجه برامج اعداد المعلمين في كلية التربية الأساسية باستخدام أسلوب الملاحظة الدقيقة والتي تمت على مدى عامين دراسيين كاملين (2016-2015/ 2017-2016) من خلال التدريس في الكلية، بمعدل 180طالبة في الفصل الدراسي، بما يقارب ما مجموعه 1424طالبة، مع الاستعانة بإحصائيات القبول وأعداد الطلبة. وتمت أيضاً الاستعانة بتقرير منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية الأوربية (OECD, 2011) “Strong Performers and Successful Reformers in Education: Lessons from PISA for the United States” لعرض لمحات مقارنة لنماذج من أكثر الأنظمة تميزاً في الأداء وتسليط الضوء على المعلمين وبرامج اعدادهم مثل فنلندا وسنغافورة. سأعرض فيما يلي أهم ما جاء في تقرير المعهد الوطني السنغافوري من مؤشرات تخص المعلم وبرامج تدريبه قبل الخدمة، ومن ثم مقارنتها بواقع برامج اعداد المعلمين في كلية التربية الأساسية في الكويت مقابل ما جاء من توصيات لتحسين الأداء. هناك جهتان رئيسيتان لتقديم برامج اعداد المعلم في دولة الكويت وهما؛ كلية التربية الأساسية التابعة للهيئة العامة للتعليم التطبيقي والتدريب، وكلية التربية التابعة لجامعة الكويت. في كلٍّ منهما يلتحق المعلمون الكويتيون ببرنامج لمدة أربعة سنوات للحصول على درجة جامعية في التعليم الأساسي. وهذا البرنامج يتألف من فصول لمدة سنتين لمعرفة المحتوى، بالإضافة الى سنتين تخصص لمعرفة المحتوى المتكامل مع فصل دراسي واحد في الدراسات التربوية والعمل الميداني ضمن السنة الأخيرة. حوالي (50 ٪) من هيئة التدريس في المدارس الثانوية وحوالي (90 ٪) من تلك الموجودة في المدارس الابتدائية، تتمثل من خريجي كليَّتا التربية ممن تقدموا بطلب العمل كمعلمين. اما النسبة المتبقية هم خريجو تخصصات أخرى مثل الآداب والعلوم وهؤلاء لم يتلقوا أكثر من تدريب مدته أسبوعين قبل الخدمة. ان الكويت لديها من مميزات اقتصادية وديمغرافية ما يلزم لبناء نظام تعليمي قوي وناجح يمكن أن يكون الأفضل في المنطقة إن لم يكن في العالم. وبالأخذ بتحليل مؤشر معدل الإلمام بالقراءة والكتابة في الكويت من عام 1980 ولغاية 2010 ومقارنتها احصائيا مع معدلات سنغافورة، اتضح أن الكويت تمتعت بنمو مطرد وبسرعة تثير الإعجاب مما يدل بأن نظام التعليم في الكويت لديه القدرة على تحقيق واستدامة مستويات أعلى من الإنجاز (NIE, 2013:64). ولكنه من المؤسف جداً أنه عند الحديث عن واقع برامج اعداد المعلم في دولة الكويت دلّت مؤشرات الدراسة السنغافورية بأنها دون المستوى المطلوب. حيث أعطى الغالبية العظمى من مسؤولي وزارة التربية (66.7٪) تقديرات منخفضة لبرامج اعداد المعلمين الكويتيين ونوعية مخرجاتها، و (75.5٪) منهم قيم نوعية المعلمين من هذه البرامج بأنها منخفضة. وكذلك بالنسبة لكفاية إعداد المعلم قبل الخدمة، أكثر من (50٪) من مسؤولي وزارة التربية يعتبرون إعداد المعلمين ليس كافياً مع وجود (32.6٪) ممن يشعرون بأن برامج التدريب أثناء الخدمة تسعف الأمر لحسن الحظ (NIE, 2013:98). إضافة إلى ذلك نسبة (73.9٪) من مسؤولي الوزارة يعتبرون المعلمين الحاليين أنهم بجودة منخفضة (NIE, 2013:87). وُجد أيضاً أنه من العوامل المهمة التي تؤثر على أداء المعلمين في برامج اعداد المعلمين وأدائهم لاحقاً كمعلمين هي العوامل التي أدت بهم لاختيار مهنة التدريس كمسار وظيفي. فبالنسبة لكثير من المعلمين مهنة التدريس لم تكن باختيارهم المحض. فهناك كثير من المعلمات اخترن المهنة تحت ضغوط عوامل اجتماعية لمناسبتها حسب نظرة فئة كبيرة من المجتمع للمرأة للعمل في محيط نسائي وتكون في الوقت نفسه قادرة على الموازنة بين متطلبات المهنة وحياة الأسرة. وهناك فئة أخرى من المعلمين ممن اختاروا الجانب المادي حيث يرون أن الراتب مجزي ولكن مع غياب الرغبة والشغف الحقيقي للتدريس. هناك أيضاً مؤشرات تخص مهارات المعلمين المتعلقة في المناهج، حيث يفتقر المعلمون إلى المهارات الابتكارية بالنسبة لمواد المناهج الدراسية خارج المحتوى المحدد ضمن الكتب المدرسية. ويفتقرون كذلك لتطوير أساليب التدريس لديهم لتتناسب مع مستويات متنوعة من قدرة الطلاب. إن وجود فجوة في مستوى المعرفة لدى كل من له دور داخل النظام التعليمي وتحديدا المعلمين اللذين يسند إليهم المهمة الرئيسية وهي تعليم الطلاب، يعني توليد فجوات في القدرات أو المهارات ومستوى الأداء (NIE, 2013). وفي حالة المعلمين، تؤدي الفجوة في المعرفة الى انعدام الثقة في التدريس وعدم وجود مهارات تربوية وبالتالي الي نقص عام في القدرة على تعليم فعال (NIE, 2013:37). ولوحظ أيضاً التركيز على نجاح الطلاب في الامتحانات وعدم إدراك الحاجة إلى التنمية الشاملة لهم. حيث إن التركيز الرئيسي في الفصول الدراسية يتمثل في تطوير المجال المعرفي مع عناصر من المجال العاطفي. أما بالنسبة للمؤشرات المتعلقة بالمهارات التربوية للمعلمين، وجد أن المعلمون يميلون بشدة إلى اتباع الأدلة الارشادية التي تأتي مع كل منهج دراسي، ويبدو أنه لا يوجد هناك أي مرونة لتنويع استخدام أساليب التدريس نظرا لعدم كفاية الخبرة والمعرفة بمثل هذه المهارات التربوية. وأدت المبالغة في التركيز على أداء الطلاب في الامتحانات إلى الميل لتشجيع التعلم عن طريق الحفظ عن ظهر قلب. حيث يشعر المعلمون بأنهم مسؤولون عن درجات الطلاب فيلجؤون إلى تشجيع الحفظ عن ظهر قلب لأنهم ملتزمون بإنهاء المنهج في الوقت القليل المتاح نتيجة لضغط محتوى المناهج. هناك جهود فردية من قبل بعض المدرسين في استخدام أدوات تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في التعليم مثل الآي باد، بحث من مديرين المدارس. ضغط محتوى المناهج أثّر أيضا على طريقة وشفافية التقييم، حيث ان تشجيع المعلمين الطلبة على الحفظ أدى إلى تمحور أسئلة الاختبارات وبنوده حول مهارة استدعاء المعلومات مما يضعف مهارات التفكير لدى الطلاب. ويتضح ذلك جلياًّ في التناقض بين أداء الطلاب في الاختبارات الوطنية مع ضعف أدائهم في دراسات PIRLS و TIMSS. دلّت هذه المؤشرات مجتمعة على أن نوعية برامج اعداد المعلم في دولة الكويت لا ترقى للمستوى المطلوب من الكفاءة اللازمة لإعداد معلمين متميزين يرتكز عليهم النظام التعليمي للدولة لتطوير أداءه ورفع مستواه لمجاراة ركب الدول المتطورة وتخريج قوى وطنية قادرة على رفع مستوى الأداء. إذن هناك فجوة في برامج اعداد المعلم تحتاج لإعادة النظر وتحريك الجهود للإصلاح واتخاذ القرارات اللازمة من جميع الجهات المسؤولة تحت اشراف المجلس الوطني لتطوير التعليم في الكويت. فيما يلي سأتطرق لأهم التحديات التي تواجه برامج إعداد المعلمين قبل الخدمة في الكويت وبالتحديد في كلية التربية الأساسية مقابل لمحات من تجارب ناجحة. إن برامج اعداد المعلمين في دولة الكويت تواجهها العديد من التحديات التي من غير الممكن ايجازها في هذه الورقة، ولكن من الممكن حصر أكثرها أهمية وتهديداً لجودة المعلمين الكويتيين إذا لم يتخذ الإجراء اللازم لإيجاد الحلول لبدأ عملية الإصلاح الفعلي. ان ضعف مخرجات برامج تدريب المعلمين الكويتيين تتضح جلياً في تقرير المعهد الوطني للتعليم في سنغافورة (NIE, 2013) كما عرضنا مسبقاً أهم ما جاء به من مؤشرات تخص المعلمين وبرامج إعدادهم. بالإضافة إلى نتائج الكويت في اختبارات TIMSSعلى مدى السنوات من 2015 – 1995 (Mullis et al., 2016)، واحتلال الكويت مراكز متأخرة جداً على مستوى العالم وكذلك بالنسبة للدول الخليجية المشاركة، بل مع تدني أداءها في أغلبية المؤشرات بمقارنة مشاركتها الأولى مع المشاركات اللاحقة. سأتطرق في يلي إلى أهم التحديات التي تواجه برامج اعداد المعلمين، وتحديداً كلية التربية الأساسية: إن من أبرز التحديات التي تشكل عقبة في سبيل رفع مستوى مخرجات برامج اعداد المعلمين في الكويت والتي نعاني منها كأعضاء في الهيئة التدريسية بشكل رئيس هو نوعية المدخلات التي تنتسب لهذه البرامج. حيث أصبحت كلية التربية الأساسية تستقطب الطلبة من الفئات ذات الأداء الأكاديمي المنخفض من خريجي التعليم الثانوي بنسبة دنيا 70٪ مع الأخذ بالاعتبار التضخم الحاصل في معدلات مخرجات الثانوية العامة (PAAET, 2017). ان مسئولية تعليم الطلاب في عصر يتسم بالتغيير المتسارع والمستمر ليس بالعملية السهلة فكان لزاما على المعلمين أن يتسموا بمعايير عالية ويكون لديهم الحافز للتعلم. في المقابل "إن المتقدمين للالتحاق بكلية التربية في الكويت لا يعتبرون الأفضل من حيث الخصائص اللازمة لمهنة التدريس." (NIE, 2013: 145). حيث أصبح من المألوف الاستماع لعبارات التذمر من قبل طالبات كلية التربية على أنهم سيصبحون معلمات بعد التخرج، بل وإن العديد منهن لم يكن لديه خيار أفضل وسيحاول إيجاد طريقة ما للعمل في جهة أخرى بعيدا عن التربية والتعليم. وهذا ما أكدته دراسة المعهد الوطني السنغافوري حيث تبين أنه بالنسبة لعدد كبير من المعلمين فإن التدريس ليس بالضرورة الخيار الأول للوظيفة التي يرغبون بها وربما ليس لديهم شغف بالتدريس (NIE, 2013). ان نوعية الطلاب كمدخلات للنظام يؤثرون تباعاً على نوعية المخرجات التي هي المعلمين بعد الانتهاء من دراستهم. وهذا يعني أن جودة المدخلات لها آثار على النتائج المرجوة من برامج اعداد المعلم. فكان لا بد من تقنين عملية قبول الطلبة المتقدمين للدراسة في هذه البرامج وتوجيهها التوجيه الصحيح بعيداً عن المصالح الشخصية والسياسية والحد من ظاهرة التغيير بين التخصصات مالم تكن هناك أسباب ملحة تستدعي ذلك. وتحسين نوعية المدخلات بتضمين الاختيار على أساس الجانب العاطفي الوجداني كذلك إلى جانب الجانب الأكاديمي، وذلك باستخدام المقابلات بصورة أكثر فاعلية. وهذا من شأنه أن يعلي من مستوى مخرجات هذه البرامج ألا وهم المعلمين أنفسهم. وبدا ظاهراً بأن أغلب الدول المهتمة برفع مستوى كفاءة معلميها لديها تفهم بأنها لا تستطيع أن تحقق هذا الهدف دون رفع معايير القبول في كليات التربية لديها، إلا إذا كان المرشحون الذين يحاولون اجتذابهم قد لا يهتمون بالانتساب إلى كليات مهنية ذات مكانة منخفضة في نظام التعليم العالي وفي المجتمع ككل (OECD, 2011). ومن هنا جاءت أهمية وضع خطة لتعزيز مكانة المعلم في المجتمع ووضع ضوابط أكثر صرامة في كليات اعداد المعلمين لاختيار الأجدر لجذب المتميزين فقط ومنها تحويل مهنة التعليم لتصبح الخيار الأول بالنسبة للمستقبل الوظيفي. إن كثير من الدول تنادي بأهمية العمل على جذب المتميزين لمهنة التعليم ورفع مكانتها، إلا أن قليلاً منهم من عمل بالفعل ووضع مثل هذا الهدف نصب عينه مثلما فعلت فنلندا. تمكنت فنلندا من جعل مهنة التدريس الخيار المهني الأول المرغوب به بين شبابها من خلال مزيج من رفع سقف القبول في المهنة، ومنح المعلمين الاستقلالية في إدارة شئون فصولهم الدراسية وظروف العمل مقارنة بأقرانهم في دول أخرى (OECD, 2011). وهذا بدوره مكّن برامج اعداد المعلمين من اختيار مدخلاتها من الربع الأعلى من مخرجات المدارس الثانوية. ونتيجة لذلك أصبحت مهنة التعليم في فنلندا من المهن عالية الانتقائية، وانتشر المعلمون عالي الاحترافية المهنية في جميع أنحاء فنلندا. إن نوعية مدخلات كلية التربية الأساسية في الكويت من الطبيعي أن تفتقر إلى العديد من المهارات اللازمة والضرورية لرفع مستوى الأداء من مثل مهارات التعامل مع التكنولوجيا الحديثة ومهارات البحث العلمي وهناك أيضاً صعوبة ملحوظة في اكتسابها. هناك ضعف ملحوظ بين شريحة كبيرة من طالبات الكلية في استخدام تكنلوجيا المعلومات والاتصالات بصورة تخدم العملية التعليمية، حتى في استخدام البرامج الأولية البسيطة منها والتي تعد من أساسيات التعليم الجامعي اليوم مثل برمجيات مايكروسوفت اوفيس على سبيل المثال أو حتى مجرد ارسال رسالة بريد الكترونية. في العصر الرقمي تلعب التكنولوجيا دوراً هاماً في حياتنا، فالأطفال والشباب اليوم هم المواطنون الرقميون. وهم يشعرون بارتياح في التعامل مع الأجهزة التقنية والتطبيقات التكنولوجية. وفي مجال التعليم فإن استخدام تكنولوجيا المعلومات والاتصالات ICT من شأنه أن يعزز عمليات التعليم والتعلم. فكان لزاماً على المعلمين أن يكونوا على معرفة ودراية كافية في هذا المجال. أمّا بالنسبة لضعف مهارات البحث العلمي أودى بالعديد من أعضاء الهيئة التدريسية لخفض متطلبات اجتياز مقررات البحث العلمي والذي من شأنه أن يضعف من جودة مخرجات الكلية وقدرتهم على تطوير أنفسهم بعد التخرج. إن هذا الإجراء لم يؤخذ إلا لسبب عامل ضعف مدخلات الكلية وضغط الأعداد المنتسبة لها. هناك ضغط كبير ناتج من الاعداد المنتسبة لبرامج اعداد المعلمين في الكويت، حيت كانت لسنوات ولازالت ملجأ الحكومة لتعيين وتوظيف الفائض من القوى العاملة للدولة حالها حال الدول الريعية الأخرى من دول الخليج (Michael, B., Mona, M., & Fenton, W., 2007). ان مجموع اعداد المنتسبين لكلية التربية الأساسية فقط للعام الدراسي (2018-2017) بلغ 21,754(16,116 طالبة، و5,638 طالباً) مما يشكل عبأً على الموارد المتاحة والطاقة الاستيعابية للكلية التي تتضح جلياً في اكتظاظ القاعات بالطلاب مع عدم توفر قاعات كافية لتنسيق جدول محاضرات أعضاء الهيئة التدريسية، وبالتالي على جودة مخرجاتها والتأثير الأهم على الأجيال القادمة. ان التمكن من مهارات البحث العلمي يعد من العوامل الرئيسة التي أدت إلى استقلالية المعلم في فنلندا، بل إن برامج تدريبهم قائمة بشكل رئيس على مهارات البحث العلمي وهذا سبب استقلاليتهم وهو جودة تدريبهم (OECD, 2011). حيث لا يتوقع من الطلبة المعلمين أن يكتسبوا المعارف التربوية ومعارف التنمية البشرية فحسب، بل يُطلب من كل طالب أن يقدم أطروحة معتمدا على مهارات البحث العلمي كمشروع تخرج للحصول على درجة الماجستير والتي تعد متطلب لجميع المعلمين الفنلنديين (Sahlberg, 2010). والتعليل المنطقي لهذا المتطلب هو أنه من المتوقع من المعلمين المشاركة في تحقيقات منضبطة في الفصول الدراسية طوال حياتهم المهنية في التدريس. وفي سنغافورة، بعد ثلاثة سنوات من التدريس تشكل مهارات البحث العلمي أحد المسارات الوظيفية الثلاثة التي من الممكن أن يتخصص فيها المعلم (OECD, 2011). وأخيراً، إن محدودية وعدم كفاية المدة الزمنية المحددة للتدريب الميداني في المدارس وحصرها في فصل دراسي واحد يقضيها الطالب أو الطالبة في التدريب في أحد المدارس خلال سنة التخرج تشكل تحدياًّ آخر يحد من جودة تدريب المعلمين. فهذه المدة غير كافية لإعدادهم الاعداد الجيد واكتساب الخبرة الكافية لممارسة المهنة. في المقابل عملت الدول ذات الأداء المتميز في PISA على تحويل برامجها الأولية لإعداد المعلمين من نموذج يعتمد على إعداد أكاديميين، إلى نموذج يعتمد أكثر على اعداد مهنيين في ميدان العمل "clinical settings"، حيث يبدؤون بالنزول إلى المدارس في وقت مبكر ويقضون مدة أطول في التدريب هناك، والحصول على دعم أكبر وأفضل في هذه العملية (OECD, 2011: 237). وفي فنلندا تستغرق الدراسة في برامج اعداد المعلمين ستة سنوات تتضمن الحصول على الدرجة الجامعية بالإضافة إلى درجة الماجستير، مقابل أربعة سنوات في أغلبية الدول الأخرى (Sahlberg, 2010). ان انتاج جيل من المعلمين ذوي جودة مرتفعة ليس بالعملية البسيطة، ليس فقط في الكويت بل أيضاً في العديد من الدول الأخرى. انه أمر له عدة مكونات رئيسية، من ضمنها: وجود خطة مدروسة جيداً ومستدامة لرفع المستوى والتصور العام لمهنة التدريس؛ ووضع استراتيجية تسويق وتوظيف مدروسة جيداً للحصول على العناصر المميزة؛ بالإضافة إلى برنامج متميز لإعداد المعلمين (165NIE, 2013:). في البلدان المشهود لها على مستوى العالم يعد المعلم مورداً بشرياً على درجة عالية من الأهمية، وهذه الفلسفة في حد ذاتها إعلاء من مكانة المعلم ومهنة التدريس في المجتمع. فأداء سنغافورة المميز وتطورها السريع ارتكز في الأساس على تطوير نظامها التعليمي ايماناً منها بأهمية التعليم في تأسيس دولة قوية معرفيا واقتصادياً. وكذلك الأداء المتميز والمستمر بثبات لفنلندا هو نتاج لتطوير وإعادة هيكلة نظامها التعليمي ومكوناته وأبرزها برامج اعداد المعلمين لديها، ليصل إلى ما هو عليه اليوم من تميّز في الأداء حيّر الكثير من التربويين وصنّاع القرار السياسي. إن مثل هذه النظرة لأهمية التعليم في بناء الدولة غير غائبة عند أغلبية التربويين الكويتيين وبعض من صناع القرار ولكن هناك حاجة ملحة وآنية لإعادة توجيه الجهود المبذولة للإصلاح والتطوير. إن تسليط الضوء على برامج اعداد المعلمين في الكويت وإعادة النظر في فاعليتها كفيل بوقف سيل من المخرجات التي لا ترقى إلى المستوى المطلوب في مدارس الدولة بجميع مراحلها. ومن شأنه أيضاً التقليل من نسبة المصروفات إن وجدت التي ستحتاجها الدولة لإعادة تدريب هؤلاء المعلمين أثناء الخدمة. وفي الختام أتمنى من صناع القرار إعادة النظر في فحوى ما جاء به تقرير المعهد الوطني للتعليم في سنغافورة والأخذ بتوصياته. References ECAE (2017). Emirates Collage for Advanced Education, Retrieved 14-09-2017, from http://www.ecae.ac.ae/index.html. Michael, B., Mona, M., & Fenton, W. (2007). Improving education in the Gulf. The McKinsey Quarterly (special edition: Reappraising the Gulf States), 39-47. Mullis, I., Martin, M., Foy, P., & Hooper, M. (2016). TIMSS 2015: International Results in Mathematics and Science. Retrieved 13-09-2017, from http://timss2015.org/advanced/download-center/ NIE [National Institute of Education] (2013), A Diagnostic Study of Education in Kuwait, National Centre For Education Development (NCED), Kuwait. http://www.nced.edu.kw/images/downloads/NIEReporten.pdf OECD (2011), Finland: Slow and Steady Reform for Consistently High Results, in Lessons from PISA for the United States, OECD Publishing, Paris. http://dx.doi.org.ezp.lib.unimelb.edu.au/10.1787/9789264096660-6-en OECD (2011), Singapore: Rapid Improvement Followed by Strong Performance, in Lessons from PISA for the United States, OECD Publishing, Paris. http://dx.doi.org.ezp.lib.unimelb.edu.au/10.1787/9789264096660-8-en OECD (2011), Strong Performers and Successful Reformers, in Education Lessons from PISA for the United States", OECD Publishing, Paris, pp. 227–256. http://dx.doi.org.ezp.lib.unimelb.edu.au/10.1787/9789264096660-12-en PAAET (2017), The Public Authority for Applied Training and Education, Retrieved 14-09-2017, from http://www.paaet.edu.kw/mysite/Default.aspx?tabid=7551&language=ar-KW Sahlberg, P. (2010). Finnish Lessons: What Can The World Learn From Educational Change In Finland (2nd ed.). New York: Teachers Collage Press. .
1 Comment
|
AuthorDr. Ahoud Alasfour ArchivesCategoriesDesert image attribution: By Bachmont (originally posted to Flickr as torraera) [CC BY 2.0 (http://creativecommons.org/licenses/by/2.0)], via Wikimedia Commons Gramophone image attribution: By Norman Bruderhofer (Collection of John Lampert-Hopkins) [CC BY-SA 2.5 (https://creativecommons.org/licenses/by-sa/2.5)], via Wikimedia Commons |